الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

بوشكين





منذ قرنين من الزمن أهدى للعالم " بوشكين " . في السادس والعشرين من مايو عام 1799م ولد ألكسندر سيرجيفيتش بوشكين , من أسرة عريقة من طبقة النبلاء , وسرعان ما فقدت هذه الأسرة عزها ونفوذها فتركت الأسرة أمر تربية الطفل الجديد إلى الخدم والمربيين الأجانب , وتكفل تعليمه الفرنسي الطابع إدخاله إلى عالم الكلاسكيين الفرنسيين وموسوعي القرن الثامن عشر , وكان لمربيته العجوز دور هام في إدخال بوشكين إلى عالم الخيال والقصص الشعبي والأساطير مما أثر في تكوينه الثقافي واتجاهه الأدبي لاحقا . وكذالك كان هناك دور هام لمربيه دور هام حين كان يأخذه ويطوف به في شوارع موسكو وأحياءها والأعياد الشعبية حيث الحياة ولغة الشارع التي كاد أن ينساها في صالونات أبيه الأرستقراطية .
ونمت موهبة "بوشكين " الأدبية بفضل إطلاعه على كلاسيكيات الأدب الأوربي والروسي معاً . وتكمن أهمية "بوشكين" الأدبية كما يؤكد "لوناتشارسكي" بقوله ( إن ما فعله "دانتي وبترارك " من أجل إيطاليا , وعمالقة القرن السابع عشر من أجل فرنسا , و "ليسنج و شيللر وجوته " من أجل ألمانيا , فعله " بوشكين " من أجل روسيا ) . 
وكانت مهمة بوشكين هي تمهيد الأرض الروسية وإعدادها إلى الأبد لأدب فني بحيث يملك الأدب الروسي فيما بعد إمكانية عن أي اتجاه وأي تأمل , دون أن يخشى الخروج عن حظيرة الأدب , كما عبر " بيلينسكي " . 
وقد ظهر إبداع "بوشكين" كمرحلة جديدة في المعرفة الفنية وسببت أعماله الإزدهار العارم للأدب الروسي في القرن التاسع عشر . وظهر كمؤسس مرحلي في هذا الأدب , وكل الأدباء الروس المشهورين جاءوا بعده , جوجول كان تلميذه , دوستوسفكي و تشيخوف و تولستوي تأثروا به , أما الشعراء فقد أصبحوا يوزنون به , وحتى من سبقه أو كان من أساتذته كـ "جوكوفسكي" فقد أصبح ينسب إلى عصره . 
كان الشعر الروسي قبل بوشكين "غرساً لنباتات منقولة من أرض أجنبية " , فخلق بوشكين التعبير الشعري عن أفكار الشعب وآرائه وأحاسيسه . في نفس الوقت الذي خلق متطلبات التطور المقبل للثقافة الروسية . وتغلب بوشكن بعبقريته على اللغة الأدبية للقرن التاسع عشر ذات الطابع الكلاسيكي المحافظ على تقاليد الأدب القديمة , وبلغته المصطنعة الكئيبة المتعالية الذي كرس نفسه من أجل الأرستقراطية الحاكمة وتسليتها . والغارق في تفاصيل المفهوم الجمالي الأدبي الروسي والدور التربوي للفن وتأثيره على الفرد .
فجاء "بوشكن" وجعل الحياة هي مصدر الأدب الحقيقي , وكشف عن الشعر الكامن في الواقع , ورأى أن الأدب يصبح ممكناً فحسب بإعتباره ( أدب الواقع ) . وكان أدبه غريباً على كل ماهو " حالم ومثالي وكاذب وضبابي " , فأصبح شعره مشبعاً حتى الأعماق " بروح الواقع " , وأحل بدلا من تلك اللغة المتعالية لغة أقرب إلى لغة الشعب بسيطة تختزن آلاف الصور , وأسكن الأساطير والأغاني الشعبية والأبطال الشعبيون في شعره , وأمتلك الجرأة ليجعل من عواطف الإنسان المغمور موضوعاً للشعر كما في ملجمته الشعرية الرائعة الشهيرة " الغجر " . 
وكان "بوشكين" موسوعي الإطلاع على ثقافة الأمم الأخرى و قد تأثر بالعالم العربي وآدابه وترجم القرآن شعراً إلى لغته الروسية ومما كتب : 
*
أقسم بالشفع والوتر .. أقسم بالسيف وبالحرب المحقة .. أقسم بنجمة الصباح .. أقسم بصلاة المساء .. 
*
لا أنا لم أهجرك .. من ترى في ظل الطمأنينة .. أدخلت محبا , شخصه .. وحميت من العسف المبين ؟ .. ألست أنا من يوم السغب .. من سقاك مياها صحراوية ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق